عزلة
تاهت بوصلتي
و اختلطت الاتجاهات
لا شيء غير الأسى
وعد الذكريات الخجولة
لأيام مضت
*******
لم اعد أرغب في شيء
أرغب في العزلة
فقوانين حمورابي
داستها دبابات النسيان و القتل والجهالة
و تبلبلت لغة ما أنزل في بابل
أخذت ترطن في كل اللغات
حتى بات الصمت نبأ
**************
و جلجامش انزوى مذ مات صديقه أنكيدو
و لم يعد راغباً بالخلود
أتأمل يوسف فقميصه المفصص
قُدَّ من كل الأنحاء
لم تمر به سوى السنين العجاف
لم يعد يعرف الكيل ..و ضاع منه المكيال
**** **** ****
وأبناء يافث ..ابتنوا سفينتهم
كي تعبر تحت الماء
تركوا ..سام و حام و يام يغرقون ..
لم يأخذوا من كلٍّ ..زوجين أثنين
لم يأخذوا نبتاً و لا زرعاً
فلديهم المختبرات
و بنك الجنيات
يخلقون ما يشتهون
** ** **
و نعاج داؤود كثرت
بعد أن ضمَّ نعجة أخيه
سدت كل الأفاق
عبرت كل البراري
عبرت حتى الربع الخالي
و سليمان لم يعد يركب بساط الريح
لم تعد تهمه لغة الطير و الجن و النمل
يفهم اللغات الرقمية
ركب سفينة الفضاء
عفريته معه
يفتش عن ملكة يسبيها غير بلقيس
يرسل وراء البنائين
لم يعد يرغب بنائي صور و لا أبناء كنعان
سيبني هيكله بالجماجم
تستهويه جماجم الأطفال
*** *** ***
تاهت بوصلتي ...
أعِدُ و أعِدُ :
فإمروء القيس غارق في ليله الطويل
يتلمس قروحه ...
و لم يعد يطالب الليل بالرحيل
و طرفة
حين ينادي القوم : من فتى
يكسل و يتبلد
و زرقاء اليمامة
ذبلت عيناها ...تهلل للقادمين الفاتحين
حتى بُحَ منها الصوت
و الغفاري ...
يستجدي كسرة خبز من صغار القوم
بعد أن تَخَّ سيفه في غمد الرياء
حتى لو لم يسعفه بقطرة ماء
*** *** ***
أتأمل أيام التاريخ ...
مذ كان الإنسان يعيش في جحره كالجرذ
في الغابة
يصطاد بيديه و غريزته
و حين يشبع فيه الوحش ...
يسترخي ...و ينام ...
يسكننا وحش لا يشبع و لا يسترخي و لا ينام !!
و أنا ..أجل أنا ابن هذا الزمان
أرغب في العزلة
أرغب ان أعيش كالإنسان الأول
آوي إلى كهف حقيقتي
ألتقط الثمار
أعبث بالجداول
لا أصطاد أحداً
أعيش نباتياً
ألتقط الحبوب و الأعشاب و الفراشات
كأسلافي بني الإنسان...
أمعقول ما تقوله الكهوف و الجرذان :
حتى هي مراقبة فهذا إرهاب
*** *** ***
نسيت الزنج ..الصعاليك ...الخوارج ...و القرامطة
أرغب أن أعيش كالدراويش
أرغب أن أعيش كالمتصوفة
أرقب النجوم و أعدها ,,,أسير معها..
(( ممنوع ...ممنوع ....ممنوع ))
لم يعد مسموحا إلا التسول و استجداء الرغبات
و تحميص القهوة
حتى الحلم استلقى في محميات كالهنود الحمر
و الطيور التي تعشق التغريد و الصمت
عبرت فينا كل الشركات
تركتنا حطاماً على شواطئ القارات
*** *** ****
أرغب أن أبني خيمة في صحراء روحي
و أقسم أنني سأبقى مكباً على وجهي
أحصي حبات رمل عزلتي
لن أحصي طائرات إواكس التجسس و الاغتيال
و الأقمار التي تسكن سماءنا و عقولنا و حتى دمنا
*** *** ***
أرغب أن أعيش تحت شجرة منذورة لشيخ أو ولي
أنتقل من ظل إلى آخر
أراقب النمل يروح ويجيء محملا بالرزق و الشقاء
و حشرات السوس التي تنخر جذعها
لن أوقظ عصفوراً من عشقه
لن أحصي زقزقة الصباح
لن أراقب كركرة الماء
...هذا ممنوع ...ممنوع ....ممنوع
فالعزلة ...يا أنا ...
للذين يعيشون في قفص الاتهام أو المختبرات
لرواد الزنازين التي لا تتسع إلآ لشخص ينام واقفاً...
حتى الموت أو الصمت
*** *** ***
فيا أيتها الأيام ...اهربي
ليس لدينا زمن
صرنا عدماً ...عدماً...عدم
صرنا موتى ...موتى ....موتى
قد ذُبِحَ فينا الإنسان